يُعَرّف “النَسَبْ” بأنه إلحاق الولد لأبيه، وما يترتب على ذلك من الالتزامات المتبادلة بينهما، من عطف الأب على ولده وتربيته وتعليمه حتى يبلغ أشده والتوريث فيما بينهما وغير ذلك من الالتزامات والحقوق الأدبية والمالية.
إضافةً لحق الولد في حمل جنسية أبيه، أما نسب الولد إلى أمه فهو ثابتٌ في كل حالات الولادة شرعيّة كانت أو غير شرعية، ومما لا شك فيه أن موضوع النسب من المواضيع الهامة والحسّاسة جداً، بسبب ما يترتب عليها من نتائج تؤثّر على العلاقات الاجتماعية والمالية كنفقة القرابة والإرث، وما يرتّبه ذلك من آثار قانونية تولّد مراكز قانونية لكل فرد من أفراد هذا المجتمع.
في العام ١٩٤٨ سُجّلت براءة اختراع للعالم الإنكليزي “أليك جيفري” من جامعة “ليستر” بإنكلترا، حيث تضمّن بحثه فيها إثبات أن لكل شخص بصمة وراثية خاصة به تميّزه عن غيره من الناس ولا تتطابق هذه البصمة الوراثية إلا في حالة التوائم المتماثلة، ويطلق على هذه الطريقة العلمية التحليلية عدد من المسميات منها: البصمة الوراثية أو الحمض النووي منقوص الأوكسجين، أو الحمض الريبي، أو ما يسمى بالإنكليزية الـ DNA .
ويمكن تبسيط تعريف البصمة الوراثية بأنها عبارة عن بيان بالخصائص والصفات الوراثية التي تسمح بالتعرّف على الفرد، وهي تشبه بطاقة الهوية الشخصية تماماً ولكن بشكل جيني، حيث تُحَمَّل الصفات الوراثية من الأصول إلى الفروع ومن جيلٍ إلى الجيل الذي يليه.
في سورية لم يأخذ المشرع السوري بدايةً بالبصمة الوراثية لتحديد النسب أو نفيه، لأن قانون الأحوال الشخصية السوري مأخوذ ومستمد في مجمل مواده القانونية من الشريعة الإسلامية التي أخذت بإثبات النسب ونفيه من خلال قواعد محددة.
والحالات التي عيّنها المشرع السوري في قانون الأحوال الشخصية السوري وحسب الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية ما يلي: ”يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أو بالزواج أو بالوطء بشبهة، ولابد للمدعي من إيضاح دعواه على ضوء ذلك كله” .
وقد جاء قانون الأحوال الشخصية السوري في المواد رقم ١٢٨ وحتى ١٣٦ منه على حالات النسب و ثبوته، ومن أهم حالات ثبوت النسب وأكثرها شيوعاً النسب الناشئ عن عقد الزواج لأنه الأصل في النسب، وبه يلحق الابن بأبيه، ويلتزم كل منهما بواجباته نحو الآخر، ومتى ثبت نسب الولد من أبيه بواسطة الزواج لم يعد هناك حاجة إلى إثبات النسب عن طريق الإقرار أو طريق البيّنة (الشهود).
كما ورد في الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية ما يلي: ”لا وجه لاعتماد الفحص النووي أو الخبرة الفنية، فالنسب لا يثبت إلا بالطرق الشرعية“
فإجراء فحص الحمض النووي لا يؤثر في دعوى النسب ولا يؤخذ به.
وبناءً على ذلك فقد أخذ المشرع السوري لثبوت النسب إمّا:
١- ثبوت النسب بالإقرار: وذلك في المواد ١٣٤ إلى ١٣٦ من قانون الأحوال الشخصية السوري التي نصت على أن: ”الإقرار بالبنوة ولو في مرض الموت لمجهول النسب يثبت به النسب من المقر، إذا كان فرق السن بينهما يحتمل هذه البنوة.
وإقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة يثبت به النسب، إذا صادقه المقر له وكان فرق السن بينهما يتحمل ذلك.
والإقرار بالنسب في غير النسب بالبنوة والأمومة لا يسري على غير المقر بتصديقه“
٢- ثبوت النسب بالبينة: فإذا لم يثبت النسب بالعقد الصحيح بين الزوجين أو بالإقرار، كالشهادة من قبل الطبيب المختص أو شهادة بالشهرة والتسامع وفقاً لما تقبل به البينة بالزواج إذا كان مشهوراً، فيترتب على إثبات الزواج جميع آثاره، حتى لو لم يعرف العقد وتاريخه.
وبحسب القانون السوري فلا يُنفَى نسب المولود عن الزوج إلا باللعان، حسب ما جاء في الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض والذي نص على ما يلي: ”الولد للفراش، ولا ينفى النسب إلا باللعان” .
وفي سياقٍ متّصل فإن قاعدة “الولد للفراش” تعني أنّ الولد الذي يأتي من الزواج الشرعي إنّما يُنسَب إلى صاحب الفراش (الزوج) ويكون هو الوالد فيُلحَق نسب الولد به.
وتتجلى الحكمة من إلحاق الولد بأبيه أنّ هذا الأمر يحفظ أنساب الناس من الضياع ويقطع الطريق على الادعاءات الكيدية التي قد تُحاك طمعاً بتركة أو إبطالاً لحق.
فالولد يلحق بأبيه حتى لو كانت الزوجة غائبة عن زوجها عشرين سنة، إلّا أن ينفي الزوج هذا النسب باللعان.
■ بقي أن نشير نهايةً .. إلى أن المادة ١٢٨ من قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر عام ١٩٥٣ قد طرأ عليها تعديل تشريعي في العام ٢٠١٩ يتعلق بإثبات نسب الطفل، حيث أُضيفَت الفقرة الثانية لتصبح المادة بعد التعديل كما يلي:
المادة ١٢٨ المعدّلة بالقانون رقم ٤ لعام ٢٠١٩:
١- يثبت النسب بالزواج أو بالإقرار أو بالبيّنة.
٢- فيما عدا الزوجين.. عند التنازع بين إثبات نسب الطفل أو نفيه يتم الاستفادة من استخدام البصمة الوراثية.
٣- أقل مدة الحمل مئة وثمانون يوماً وأكثرها ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً.
● ع الهامش:
في الحروب ..
تكون “الحقيقة” هي أوّل مَنْ يموت.
المحامي عبدو عبد الغفور